ترامب يلوّح بإحياء التجارة مع روسيا.. رغم مناخ الأعمال المعادي

وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية، ظهرت إشارات متباينة بشأن احتمالية عودة الشركات الأميركية إلى السوق الروسية، رغم بيئة الأعمال المعقدة والمحفوفة بالمخاطر التي تكرّست منذ غزو أوكرانيا في 2022.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب ألمح مؤخرًا إلى إمكانية استئناف العلاقات التجارية مع موسكو في حال التوصل إلى تسوية سلمية، وقال في بيان أعقب مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن “روسيا تتطلع إلى تجارة واسعة النطاق مع الولايات المتحدة بمجرد توقف حمام الدم”، مضيفًا أن هناك “فرصة هائلة” لبناء الثروة وخلق الوظائف.
لكن ترامب سرعان ما غيّر نبرته بعد سلسلة من الهجمات الروسية على كييف، واصفًا بوتين بأنه “فقد صوابه”، ومهددًا بفرض عقوبات جديدة، وفقًا لوكالة “أسوشيتد برس“.
بيئة قانونية متقلبة
ورغم التصريحات الإيجابية من الجانبين، إلا أن المعطيات على الأرض ترسم صورة مغايرة، فمناخ الأعمال في روسيا تغيّر بشكل جذري خلال السنوات الثلاث الماضية، بما لا يصب في مصلحة المستثمرين الأجانب.
القانون الروسي يصنّف الدول الداعمة لأوكرانيا كـ”دول غير صديقة”، ويُقيّد عمليات تحويل الأموال ويمنح الحكومة صلاحيات واسعة لمصادرة أصول الشركات الأجنبية.
حتى مع احتمال التوصل إلى تسوية سياسية ترفع العقوبات الغربية، فإن ذاكرة الخسائر لا تزال حية في أذهان المستثمرين، شركات كبرى مثل “إكسون موبيل” تكبّدت مليارات الدولارات إثر انسحابها، كما تم إنهاء شراكات مثل حصة “إكسون” في مشروع سخالين بشكل أحادي من الجانب الروسي.
حذر واستبعاد للعودة
كريس ويفر، الرئيس التنفيذي لشركة “ماكرو أدفايزوري”، أشار إلى أن الحكومة الروسية تتحدث عن عودة محتملة للشركات، لكن “لا توجد دلائل ملموسة على أن أي شركة غربية قررت العودة”. من جهتها، اعتبرت إلينا ريباكوفا، الزميلة في معهد “بروجيل” في بروكسل، أن التعديلات القانونية الروسية “ألحقت ضررًا دائمًا بمناخ الاستثمار”، مشيرة إلى أن عودة الشركات الأميركية تبدو “غير مرجّحة للغاية“.
الرئيس الروسي ذهب أبعد من ذلك، مؤكدًا في تصريحات متلفزة أن بلاده “تحتاج إلى خنق شركات التكنولوجيا الأجنبية مثل مايكروسوفت وزووم” لإتاحة المجال لنمو البدائل المحلية، ملمحًا إلى أن روسيا لم تطرد أحدًا، لكن الشركات الغربية هي من اختارت المغادرة.
اقرا ايضا: العراق يعلن عن تسهيلات جديدة لإنشاء المدن الصناعية
استثمارات محصورة في القطاعات العسكرية
وفي ظل تراجع الاستثمار في القطاعات غير الدفاعية، يتوقع اقتصاديون دخول الاقتصاد الروسي في حالة ركود طويلة الأمد. يقول هيلي سيمولا، من بنك فنلندا، إن روسيا تعاني من “أحد أدنى معدلات النمو المتوقعة وأحد أعلى مستويات المخاطر في العالم“.
ومع توجّه الاستثمارات نحو القطاع العسكري، تُطرح تساؤلات عن مدى استعداد الشركات الغربية – وخاصة الأميركية منها – للانخراط في بيئة لا توفّر فرصًا حقيقية في القطاعات المدنية.
رغم الانسحاب.. بعض الشركات لا تزال هناك
بحسب كلية كييف للاقتصاد، لا تزال 2,329 شركة أجنبية تمارس أنشطتها في روسيا، معظمها من الصين ودول غير داعمة لأوكرانيا، في حين تستعد 1,344 شركة أخرى للمغادرة وانهاء الأعمال، وقد غادرت 494 منها بالفعل.
وتشير بيانات كلية “ييل” إلى أن نحو 24 شركة أميركية لا تزال نشطة في السوق الروسية، بينما خفّضت 100 شركة أخرى عملياتها دون انسحاب كامل.
عقوبات أوروبية مستمرة
حتى وإن أقدمت واشنطن على تخفيف العقوبات، فإن العقوبات الأوروبية ستبقى عائقًا ثقيلًا. الاتحاد الأوروبي يواصل فرض جولات جديدة من القيود على موسكو، ما يعقّد حسابات أي شركة ترغب في الجمع بين الأسواق الروسية والغربية.
في المحصلة، رغم الخطاب السياسي المتفائل أحيانًا، تبدو عودة الشركات الأميركية إلى روسيا رهينة تحولات كبرى، قد لا تلوح في الأفق القريب.