محمد آل عباس / أصبح من المعلوم أن أي منتج وضعت عليه كلمة “حلال”، فإن ذلك المنتج متوافق مع الشريعة الإسلامية، لكن إذا أشرنا إلى موضوع اقتصاديات منتجات “الحلال”، فإننا نقصد هنا جميع جوانب صناعة منتجات الحلال بدءا من عمليات الإنتاج والتصنيع، وصولا إلى التسويق والبيع. ويشير الطعام الحلال إلى الأطعمة والمشروبات التي يتم إعدادها وفقا للشريعة الإسلامية؛ يشمل ذلك المكونات وطرق تعبئة الطعام وتخزينه والأواني المستخدمة، وهذا جعل الطعام الحلال مطلوبا على نحو غير مسبوق، فقد تجاوزت المعايير مسألة المكون، إلى نظافة وخلو الأدوات من الملوثات، وهذا منح الطعام الحلال سوقا هي الأسرع نموا في العالم بين الأسواق الواعدة، قدرت في بعض الدراسات بمعدل سنوي 20 في المائة. كما تشير تقديرات أخرى إلى أن الإنفاق الإسلامي العالمي على قطاعات الحلال بلغ تريليوني دولار في 2016، وبلغ نحو 2.30 تريليون دولار في 2020، ومن المتوقع أن يصل إلى 4.96 تريليون دولار في 2030، أي بارتفاع يصل حتى 115 في المائة خلال عشرة أعوام. قطاعات الحلال لم تعد محصورة في منتجات اللحوم والغذاء فقط، بل شملت صناعات أخرى خارج قطاع المواد الغذائية، لتشمل: الصناعات الدوائية ومستحضرات التجميل والمنتجات الصحية ومستلزمات وأجهزة طبية، بل امتدت إلى قطاع الخدمات، مثل: الخدمات اللوجستية والتسويق ووسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية، والتعبئة والتغليف، والعلامات التجارية، والتمويل.
من هنا، تعد صناعة الحلال واحدة من الأسواق سريعة النمو في العالم، حيث تكتسب المنتجات والخدمات في هذا القطاع زخما بين المستهلكين غير المسلمين في جميع أنحاء العالم. وتتنبأ المؤشرات العالمية للاقتصاد الإسلامي، بأن سوق الحلال العالمية ستنمو من 2.09 تريليون دولار في العام الماضي، إلى ما يقرب من 3.27 تريليون دولار بحلول 2028. ويجد قطاع الحلال قوة دافعة من خلال عدة محركات للنمو، منها تزايد عدد المسلمين في جميع أنحاء العالم. ومن المتوقع أن يصل عدد المسلمين في العالم إلى ثلاثة مليارات بحلول 2060. كما أن الوعي المجتمعي عند المسلمين بجودة الغذاء أصبح يضع آليات ووسائل تجهيز الغذاء ضمن تقييم المنتجات الحلال، وهذا عزز المبادرات واللوائح الحكومية في عديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة لدعم نمو صناعة الأغذية الحلال، ما جعل الطعام الحلال أكثر صحة وأمانا بما يؤدي إلى زيادة الطلب على المنتجات الحلال في الدول غير الإسلامية. على سبيل المثال، في 2020، تزيد سوق الأطعمة الحلال العالمية من شعبية المطاعم المعتمدة حلالا في دول أغلبيتها غير مسلمة، فظهر مهرجان الأطعمة الحلال في المملكة المتحدة، ويتزايد الطلب على المنتجات الحلال المتميزة، مثل اللحوم الحلال العضوية في الولايات المتحدة. لكن هذا لا يعني أن هذا القطاع لا يواجه تحديات، من أهمها معايير إصدار الشهادات، فطرق الذبح لم يتم الاتفاق عليها حتى الآن، كما أن هناك متطلبات التعامل مع المنتجات الحلال وتجهيزها هي أيضا محل خلاف وتنوع، مع اختلافات فقهية بشأن أي المكونات حلال وأيها غير حلال، فقد يكون المكون حلالا في دولة ما وهو غير ذلك في دولة أخرى.
اقرا ايضا: اختتام أعمال منتدى مكة للحلال في نسخته الأولى بحضور ومشاركة أكثر من 120 دولة
هكذا هي قطاعات الحلال، فهي لم تعد مجرد علامة توضع على المنتجات من أجل منح المسلم الملتزم درجة عالية من الثقة باتباع التعاليم الإسلامية في أثناء ذبح وإعداد الطعام، بل أصبحت سوقا واعدة ذات نمو كبير مع توسع في المنتجات وصل إلى السياحة والترفيه والملابس وخلافها، وهي في هذا التنويع تسعى لتلبي حاجة دينية أساسية، لكنها لا تغفل حاجات أخرى مثل الجودة والصحة التي جذبت غير المسلم لاعتماد علامة “حلال” مصدرا للثقة بجودة المنتج وسلامته، كما أنها توفر فرص عمل شملت التصنيع والتوزيع والتسويق، حتى صناعة فقه المنتجات الحلال. كما أنها صناعة عابرة للقارات، فمن البرازيل؛ حيث تنشط صناعة الطعام الحلال، حيث سبق أن أعلنت شركة تطوير منتجات الحلال “المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة”، وشركة برازيل فودز، أحد أكبر مصدري الدواجن في العالم، توقيع اتفاقية مشروع مشترك يهدف لإطلاق العمليات التصنيعية للشركة عبر سلسلة إنتاج الدواجن في المملكة، وزيادة العرض من منتجات الدواجن الطازجة والمجمدة، حيث سيسهم المشروع في تعزيز توطين التقنية والمعرفة من خلال تطبيق أفضل الممارسات لرفع مستوى صناعة منتجات الحلال في المملكة، بل لقد أصبحت صناعة الطعام الحلال طريقا لتعزيز السياحة، فهذه تايلاند تعمل على دعم قطاع الحلال لجذب السياح من الدول ذات الأغلبية المسلمة، ما يؤكد أن نمو سوق الطعام الحلال يعد بتأثير إيجابي على قطاعات أخرى، مثل السياحة والضيافة.
واهتم برنامج تحول القطاع الصحي -أحد برامج رؤية السعودية 2030- بمبادرات “حلال” التابعة للهيئة العامة للغذاء والدواء، حيث حصلت 219 منشأة على شهادة “حلال”، و62 جهة مانحة للشهادة، و13 مبادرة لترسيخ مكانة السعودية في اقتصاديات الحلال. كما انطلق بالأمس منتدى “مكة للحلال” في مركز المعارض والفعاليات – الغرفة التجارية في مكة المكرمة، بحضور وزير التجارة، ويستمر إلى 25 يناير، بمشاركة الهيئة العامة للغذاء والدواء، وشركة الغرفة الإسلامية لخدمات حلال، والهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، وجهات عديدة أخرى من أجل دراسة جوانب الصناعات الحلال. ويأتي تنظيم هذا المنتدى من أجل مناقشة وبناء صور دقيقة للمنتجات المندرجة تحت قطاعاتها الكبرى، وتشمل: قطاع التمويل الإسلامي، وقطاعات الأغذية الحلال، السياحة الإسلامية، والصيدلة وصناعات الأدوية، والتجميل، والخدمات اللوجستية والتسويق وغيرها، والقطاع التقني والأجهزة الطبية، واستعراض تجارب عالمية في الصناعة الحلال ومجالات الابتكار في التسويق والتميز التجاري في صناعة السفر والسياحة وتكنولوجيا المعلومات.
عن صحيفة “الاقتصادية” السعودية