آراء اقتصادية

عاصفة النمو الصيني

نشرت الصين، نهاية هذا الأسبوع، بيانات جديدة تظهر تباطؤ النمو الاقتصادي خلال عام 2023، عند مستوى 5.2 %، وهو أحد أدنى معدلات النمو الصيني خلال ثلاثة عقود، والذي تأثر بفعل الديون المرتفعة، وأزمة الإسكان التي قوضت الثقة، وتقلص وشيخوخة القوى العاملة، وكلها عوامل تؤثر بقوة على الناتج المحلي الإجمالي للصين، وربما تستمر كآبة النمو هذا العام أيضاً، إذ يتوقع الخبراء معدل النمو عند 4.5 % خلال عام 2024، وقد يدفع هذا الركود بالحكومة الصينية للتدخل واتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادة الثقة، إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن، لأن الحكومة الصينية أصبحت أقل رغبة في تحفيز الاقتصاد عبر الاقتراض والإنفاق على البنية التحتية، مما يجعل تباطؤ النمو أمر حتمياً، وبالتالي، تركز الأسواق على تحفيز سوق العقارات وتأثير تراجع التركيبة السكانية للعام الثاني على التوالي.

تقدم هذه البيانات الضعيفة المزيد من الأدلة على مدى تباطؤ التعافي في الصين، وما يثير القلق فعلاً، هو أن إجمالي الديون يتجاوز الناتج الاقتصادي للصين لمدة ثلاث سنوات، والواقع، أن الحرب التجارية التي تشنها الولايات المتحدة منذ سنوات أنهكت الاقتصاد الصيني بشدة، لكنها، ألحقت الضرر أيضاً بأكبر الشركات الأميركية، مثل “تسلا”، و”آبل”، و”إنفيديا”، لدرجة أن الطلب على أجهزة آيفون في الصين أصبح مشكلة حقيقية لعملاق التكنولوجيا الأميركية، فاضطرت “آبل” إلى تقديم تخفيضات نادرة، في الوقت الذي تشعر فيه شركة تسلا بتأثير حرب أسعار السيارات الكهربائية طويلة الأمد على المبيعات في الصين، بالإضافة إلى تكثيف المنافسة، بعدما هبت بكين إلى مساعدة المنافسين المحليين في مواجهة شركة صناعة السيارات الأميركية.

اقرا ايضا: قطاعات منتجات الحلال .. صناعة أم مجرد علامة؟

رغم أن معظم المستثمرين العاملين في الصين تجاهلوا المخاوف حتى وقت قريب، إلا أن وزارة التجارة الأميركية ماضية بعزم من حديد في تشديد قيود التصدير إلى الصين، وربما تكون شركة إنفيديا، الأكثر تأثراً بالتدخل الأمريكي في السوق الصينية، مما صعب من مهمة “إنفيديا” في بيع رقائق الذكاء الاصطناعي في الصين، والحقيقة، أن هذه القيود الأميركية تعمل بشكل انتقامي في الجانب الآخر، حيث ألغت شركة علي بابا الصينية مؤخراً خططًا لفصل وحدتها للحوسبة السحابية في كيان مستقل، بسبب قيود الرقائق الأمريكية، وعموماً، فقد تراجع المستثمرون العالميون عن ضخ أموالهم في الصين بأسرع وتيرة خلال النصف الثاني من عام 2023، ولا توجد علامة على توقف ذلك قريباً، وهكذا، لا يوجد فائزين في الحرب التجارية.

هنا، تبقى إشارة مهمة، وهى أن بعض الاقتصاديين يعتقد أن البيانات الاقتصادية الرسمية للصين، تفتقد الشفافية، ولهذا، يعتبرونها مجرد نقطة مرجعية، والملاحظ، أن عدد المؤشرات الاقتصادية التي يوفرها المكتب الوطني الصيني للإحصاء انخفض بشكل كبير منذ عام 2013، مما جعل البعض يتشكك في أرقام الناتج المحلي الإجمالي الرسمية في الصين، وبطبيعة الحال، فإن الاقتصاد الصيني يبذل جهداً كبيراً للوفاء بأهداف النمو السنوية، إلا أن الشفافية المحدودة، بما في ذلك الشفافية المتعلقة بالمنهج الإحصائي، لا تولد الثقة، لهذا، يقوم الاقتصاديون المستقلون المتابعون للبيانات الصينية، بتطوير تقديراتهم للناتج المحلي الإجمالي للصين باستخدام إحصاءات يمكن ملاحظتها بشكل مباشر، مثل كثافة الضوء ليلاً، كدليل على تسارع النشاط الاقتصادي، المستهلك للكهرباء بكثرة، أو عن طريق بيانات الدراسات الاستقصائية والوكالات الدولية.

عن صحيفة “الرياض” السعودية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى